كان من أهم نتائج الحرب العالمية الأولى هزيمة ألمانيا ، وحليفتها الدولة العثمانية ، وتبعاً لذلك وقعت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني مما ساعد الصهيونية العالمية على تسيير الهجرة إلى فلسطين وخاصة بعد أن صدر في 2/11/1917 الوعد المشئوم على شعب فلسطين وعد بلفور ، ذلك الوعد الذي أعطاه اللورد آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني إلى أحد أثرياء اليهود روتشلد في الثاني من نوفمبر 1917م والداعي إلى إعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
ومع بداية الانتداب كان عدد اليهود 60.000 نسمة عام 1920، أي أقل من عشر السكان العرب، وفي منتصف الثلاثينات تدفقت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مما أدى إلى قيام ثورة 1936 ضد الإنجليز والصهيونية وتوقفت عام 1939، بعد أن وعدت بريطانيا الملوك العرب بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ولكن هذا الشيء لم يحصل، واستمرت الهجرة حتى وصلت عام 1948 إلى 604.000 يهودي مقابل 1.441.000 فلسطيني.
وكان للسياسية الإنجليزية في فلسطين تأثيرٌ كبير في تسهيل عملية الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومناصرتهم وإمدادهم بالعتاد والمواد التموينية، وكذلك الوقوف في وجه الثورة الفلسطينية، حيث ضاقت المعتقلات بمئات الأبرياء دون محاكمة أو إسناد تهمة، ونظمت المحاكم العسكرية وراحت تحكم بالإعدام لمجرد حيازة سلاح ناري، وزجت في السجون نحو ألفين من الأبرياء، ومضت الفرق العديدة المدربة من جنودهم بعددها وأسلحتها الكاملة من طائرات ودبابات تمعن فتكاً وتقتيلاً، كذلك تم فرض الغرامات الباهظة على القرى.
في عام 1947 تحولت قضية فلسطين إلى هيئة الأمم المتحدة ـ التي لم يمر على إنشائها أكثر من عامين ـ ونظراً للنفوذ اليهودي القوي في مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة، ضغطت الولايات المتحدة على الدول الصغيرة لتوافق على توصية بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وصدر القرار 181 في 29/11/1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية بمساحة54%، وعربية في المساحة المتبقية.
وفي ربيع عام 1948 بدأت القوات الصهيونية بتنفيذ خطتها لاحتلال الأراضي الفلسطينية التي كانت معدة قبل سنتين، وحشدت قوات تبلغ 50.000 جندي أمام 2500 مقاتل شعبي من الأهالي مع بعض المتطوعين العرب، وما لبثت القوات الصهيونية أن ازدادت إلى 121.000 جندي، مقابل 40.000 جندي عربي تحت قيادات متعددة، واحتلت تلك القوات 213 قرية وطردت 000.414 لاجئاً قبل انتهاء الانتداب البريطاني في 15/5/1948.
على إثر هذا القرار اشتدت المعارك الضارية بين اليهود والمواطنين العرب في فلسطين، وفي شمال فلسطين سلم البريطانيون مدينة طبريا في 18 نيسان / إبريل إلى اليهود بعد أن سهلوا وصول المدد إليهم، وحالوا دون وصول النجدات العربية و الذخيرة إلى المدينة وتذرعوا لإجلاء سكانها العرب بحجة أنهم أقلية يخشى عليهم غدر الأكثرية اليهودية، وكانت طبريا أول مدينة فلسطينية تسقط بيد الصهاينة.
وبعد خمسة شهور انسحب الإنجليز من حيفا بخطة مدبرة، حيث كان الصهاينة يحتلون المواقع المحصنة فيها، ويشنون الهجمات على سكانها الفلسطينية، بعد أن مهدوا لذلك بحملة نفسية على مكبرات الصوت وبواسطة المنشورات، بالإضافة إلى قصف مركز على الأحياء العربية، واشتدت المعركة، حيث نزح عن المدينة بعد ذلك آلاف الفلسطينيين اللاجئين إلى لبنان، ثم سقطت صفد وعكا وشفا عمرو والناصرة ويافا وسلمة ومعظم جبهة الجليلين الشرقي والغربي بعد معارك ضارية. وقد ساعدت وسائل الإعلام الصهيونية ـ وعن قصد ـ على إشاعة الفزع والرعب، بسردها تفاصيل مذبحة دير ياسين وناصر الدين القريبة من طبريا وغيرها، فكان ذلك سبباً لنشر الذعر في القرى الفلسطينية، وكان الصهاينة يذيعون أنباء القتل الجماعي؛ لتحطيم معنويات العرب ودفعهم لمغادرة أراضيهم وقراهم، وفي مرحلة متأخرة لم تكتف القوات اليهودية بشن حرب دعائية نفسية للضغط على الفلسطينية، بل قامت باستخدام القوة أيضاً لطردهم. لقد عملت الصهيونية على استخدام أساليب الترغيب والترهيب في فلسطين، والتي انطوت على إنذار الأهالي بأن لا ينتظروا رحمةً أو شفقةً، وأن الخيار قائم لهم بين البقاء حيث هم والموت، أو بين الفرار والحياة، وقد تمكنت القوات اليهودية قبل أيار/مايو 1948 -عن طريق المذابح وأعمال القتل بالجملة- من احتلال مناطق فلسطينية، حتى تلك التي لم ينص عليها قرار التقسيم.